باب العصرية الجامعية مفتوح على مصراعيه للتفوق والإبداع

بقلم المهندس سامر الشيوخي، رئيس مجلس أمناء الكلية العصرية الجامعية

في نشرات تعريفية عمرها سنوات قلنا إن "العصرية" ليست إضافة كمية لمجموع مؤسسات التعليم العالي الفلسطينية، وإنما نوعية بكل ما يعنيه هذا التوصيف.

وقد صدّق الأصدقاء والمقربون ما رمينا إليه، مستندين إلى معرفتهم بالفلسفة التعليمية التي قامت عليها العصرية، في حين ظن بعض المتماهين مع أساليب التعليم التقليدية، ان هذه الفرضية سوف لا تخرج من إطارها النظري، وستظل مجرد حلم جميل غير قابل للتحقيق.

لكن الفرضية تحولت إلى حقيقة نابضة بالحياة مفعمة بالإنجازات ... كيف كان ذلك؟

سؤال كبير تطلبت الإجابة عنه عملاً دؤوباً مشحوناً بحماسة فريق كبرّ وتجذر يوماً بعد آخر، حيث حمل هذا الفريق، على عاتقه تنفيذ مجموعة كبيرة من المهمات التعليمية والتربوية والتطبيقية العملية بروح مسكونة بالإبداع، فأصبح للفرضية عقل وقلب وأطراف، أصبحت جسماً متكاملاً يسطّر النجاحات ويصقل التجربة، مستفيداً من قراءة دقيقة معمقة للخاص الفلسطيني والعربي وبانفتاح ممنهج على العالم، بغية استثمار كل جديد ومهم في تفاعل منتج أضاف مداميك جديدة متينة لصرح يعلو بنيانه علماً وإبداعاً ومرّاساً.
وعودٌ إلى البدايات، حيث الأساس والمنطلق، فقد استشرف المؤسس المحامي الدكتور حسين الشيوخي رحمه الله المستقبل من خلال ركيزتين أساسيتين هما:

الأولى:- وقد كان سبّاقاً فيها، التقاط حلقة التعليم المهني والتقني كمكوّن رئيس في العملية التعليمية، من خلال تخريج أفواج المهنيين التقنيين المؤهلين لدخول سوق العمل باقتدار وتشكيل روافع بناء في عملية التنمية المستدامة، مقدراً أن المطلوب تخريج كفاءات تعمل وتنتج وتبدع، لا أن تلتحق بصفوف المتعطلين عن العمل في ظل الأعداد المتزايدة من الخريجين في التخصصات النظرية والبحثية.

الثانية – الجمع المتكامل بين النظري والعملي المهني، فلا كادر عملي مهني منجز بمعزل عن خلفية نظرية، فيما الخلفية النظرية تظل جامدة دون اختبارها وصقلها بآليات تدريبية تطبيقية، فكان أن انطلقت العملية التعليمية بالمزاوجة بين الجانبين بشكل خلاق، فما يحصلّه الطالب على مقاعد الدراسة يخضع للتطبيق عن طريق برامج تدريبية داخل العصرية وخارجها، وهذه باختصار كلمة سر نجاح وتفوق خريجينا في حياتهم العملية.

وفي إطار سيرورة وصيرورة التطور، تم الإبقاء على تخصصات معينة وتدعيمها من عام إلى عام، في حين أوقف العمل بتخصصات أخرى، وفق دراسة علمية متفحصة لحاجة السوق، بالتزامن مع استحداث تخصصات جديدة تستجيب لفلسفة العصرية وحاجة المجتمع الفلسطيني، وصولاً إلى تطور العصرية، من كلية متوسطة  إلى كلية جامعية بعد اعتماد بكالوريوس الحقوق.

كان المؤسس المحامي الدكتور حسين الشيوخي رحمه الله يرى في كل تخريج كل فوج جديد في نهاية العام الأكاديمي، محطة لتجديد الطاقات وتأكيد القسم على مواصلة الدرب، خدمة لهذا الوطن من خلال رفده، بخيرة الكفاءات من خريجين تلقوا رعاية تعليمية وتربوية وتطبيقية، تهيئةً لالتحاقهم بميدان العمل ليسهموا في البناء والتنمية المستدامة، وتقديم الأفضل لفلسطين، التي كانت ولا زالت بمسيس الحاجة لكوادر منتمية تسابق الزمن عطاءً وإبداعاً.

كانت احتفالات التخريج أهم المحطات بالنسبة إلى المؤسس، من منطلق أن رسالته تتحقق عاماً بعد آخر، وأن الفرحة التي تغمر قلوب الخريجين وذويهم موصولة بشريان قوي متدفق حباً بقلبه العامر بالانتماء.

 فما انفكت العصرية الجامعية في قلبه حتى وهو ينبض نبضاته الأخيرة، يوصينا بها وبطلبتها وأساتذتها ويلح علينا أن نستمر في عملية التطوير، توقف قلبه ومضى حيث سنة الحياة، لكنه وهو مطمئن البال، فقد رحل واثقاً بأن أبناءه وفريق العصرية من أكاديمين وإداريين سيحملون الرسالة ويذهبون بها إلى أبعد مدى، تنفيذاً وتطبيقاً وتطويراً وإبداعاً، وها هي رسالته تتألق بمزيد من الانجازات، لتصبح العصرية الجامعية عنوان الجدية والالتزام والانتاج الجديد المتجدد وبالمعايير الأكاديمية المضبوطة والتوسعة المدروسة في التخصصات والدوائر والمرافق.

فمن يسهرون على الأمانة، يسترشدون اليوم بالمبادئ التي قامت عليها العصرية، وهم منفتحون على كل تطورات وتقنيات العملية التعليمية ليس على مستوى فلسطين والعالم العربي فحسب، وإنما على مستوى ما يتحقق أممياً، وهذا ما يفسر احتضان المجتمع الفلسطيني للعصرية واحتفاء مكوناته، بما تُنجز تعليمياً ومهنياً وثقافياً وبحثياً، لتحظى فعالياتنا باهتمام خاص وحضور متميز، ونحن نفتخر ونعتز بأننا تشرفنا في نشاطاتنا وفعالياتنا بحضور دولة رئيس الوزاء الدكتور رامي الحمدالله وبمشاركة وزراء وأعضاء لجنة تنفيذية وأمناء عامين للفصائل ومعالي وزير التربية والتعليم العالي الدكتور صبري صيدم ورئيس وحدة الجودة والنوعية في الوزارة الدكتور محمد السبوع.

تتجذر تخصصاتنا وتتعمق وتتسع بالاستناد إلى فلسفة تعليمية واستراتيجية بعيدة المدى، حيث إن مختبراتنا الحديثة في مبانينا الثلاثة (رام الله والبيرة وبيتونيا) والمحكمة الصورية وعيادة الإغاثة القانونية ومكتباتنا ودوائرنا ومنتدى العصرية الإبداعي وقاعة المربية هيام ناصر الدين المجهزة بأحدث الوسائل والتقنيات تتناغم جميعها في عملية تكاملية منسجمة مع استراتيجيتنا التي نُصر على تحويل كل بند فيها إلى حقيقة، لتغدو العصرية مؤسسة تعليم عال فلسطينية بالمقاييس العالمية.

نسعى في العصرية الجامعية إلى الجديد المستجيب لحاجة مجتمعنا، ونستحدث التخصصات وفق رؤية تعتمد دراسات وبحوث كما هو حال تخصص الأراضي والمساحة  (التخصص الأول من نوعه في فلسطين)، إدراكاً منا لأهمية هذا التخصص ليس على المستوى الأكاديمي فقط، وإنما على مستوى فهمنا الوطني لأهمية الأرض بالنسبة إلى الفلسطينيين، لأن الحفاظ على الأرض بمنظور علمي قانوني هو حفاظ على أهم شرط من شروط إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وقد أتينا بهذا المثال كنموذج على فلسفتنا، بينما تخصصاتنا الأخرى، يستطيع من يرغب الإطلاع على أهدافها ومعلومات كاملة عنها من خلال ما هو موضح ومفصل في موقع العصرية الجامعية.

الطالب هو العنصر الأهم في بنيّة العصرية الجامعية، والمقومات الأخرى بتنوعاتها وتفاصيلها وجدت من أجله ولخدمته، وللتسهيل عليه فإنه إضافة ً إلى ما يتلقاه من تعليم نظري وتدريبي نوعي، فإن الطالب يحظى باهتمام خاص في المعاملة الإدارية والمالية بتقديم كل ما يسهل حياته التعليمية ويخفف عنه وأسرته، حيث نعتمد نظام التقسيط المريح لفتح المجال للجميع دون استثناء للاستفادة من العملية التعليمية التي هي حق لكل إنسان، إلى جانب منحة المتفوقين ومنحة الطلبة الأيتام، وهذا يندرج في إطار واجبنا الأكاديمي والوطني والأخلاقي تجاه شعبنا الفلسطيني الصابر المرابط الذي يتوق للحرية والاستقلال.

لا نعمل منفردين وبمعزل عن الآخرين، وإنما تربط العصرية الجامعية علاقات قوية بمؤسساتنا الوطنية الرسمية والأهلية، وقد أقمنا سلسلة من الفعاليات مع وزارة الثقافة واتحاد الكتاب ومحافظة رام الله والبيرة ومركز أبو جهاد لشؤون الحركة الأسيرة، الذي احتضنا مؤتمراته "ابداعات انتصرت على القيد" على مدى أربع سنوات متتالية وتشاركنا مع المركز في سبيل إنجاح هذه المؤتمرات واخراجها بالشكل والمضمون المناسبيين، كما أطلقنا عدداً من الكتب لمبدعين فلسطينيين في احتفاليات تليق بقاماتهم الثقافية والإبداعية، ومن الكتب التي أطلقناها على سبيل المثال لا الحصر " نصب تذكاري" للباحثين الأسيرين المحررين حافظ أبو عباية ومحمد البيروتي وكتاب مربع أزرق لرئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين عيسى قراقع والتجربة الديمقراطية للحركة الأسيرة للباحث الأسير المحرر فهد أبو الحاج، وأطلقنا أيضاً كتاب الباحثة ميسون الوحيدي   "مقاومة الاحتلال والفصل العنصري في فلسطين وجنوب افريقيا" وأطلقنا كتاب "البستان يكتب بالندى" للكاتب د.حسن عبدالله، وديوان " عنقاء ممكن" للكاتبة الدكتورة مليحة المسلماني وأقمنا احتفاليات حاشدة في الذكرى  المئوية لميلاد كل من الشاعر الشهيد عبد الرحيم محمود والشاعر مطلق عبدالخالق، واقمنا كذلك فعاليات تأبينية بمشاركة وطنيين وأكاديميين وسياسيين للشاعر الكبير سميح القاسم والراحلة سميحة خليل وللكاتب محمد البطراوي، واقمنا مهرجاناً تكريمياً للقائد الأسير مروان البرغوثي، لمناسبة حصوله على درجة الدكتوراة.

كل هذه الفعاليات جرت بالتزامن مع اطلاق كتبنا ودراساتنا الخاصة التي صدرت عن العصرية الجامعية وهي كتب هدفنا من اصدارها تشجيع أساتذتنا على عملية البحث والانتاج وتوفير المراجع الحديثة لطلبتنا، ومن هذه الكتب نذكر، "الأراضي قوانين واجراءات"، للباحثة المحاضرة في قسم القانون سلمى سليمان وكتاب "النظام القانوني لملكية الأراضي في فلسطين" للباحث المحاضر في قسم القانون حسين العيسة، وكتاب "الوسيط في القانون الدستوري والنظام الدستوري الفلسطيني" لرئيس قسم القانون الدكتور أسامة دراج، فيما يتم التحضير لإطلاق كتاب المحاضر في قسم القانون حسام عرفات الذي يحمل عنوان "شرح أحكام قانون العمل الفلسطينين رقم 7 سنة 2000"، اما اطلاق كتاب الإعلامي الدكتور ناصر اللحام الصادر عن العصرية الجامعية، فقد تحول إلى مهرجان حاشد بحضور شخصيات رسمية وأكاديمية وثقافية وعلى رأسها دولة رئيس الوزراء د.رامي الحمدالله، فيما فتحت العصرية الجامعية قاعاتها أمام وزارات ومؤسسات وطنية لعقد امتحاناتها لاختبار الموظفين الجدد واقامة فعالياتها المنوعة في إطار شراكتنا المجتمعية والمؤسساتية الرامية إلى تقديم أفضل الخدمات للمجتمع الفلسطيني.

ونحن نفتخر بما حققناه فإن ذلك لا يشعرنا بالزهو والاكتفاء، لأن ما ينتظرنا كثير وطموحنا لا يتوقف عند انجاز أو مرحلة، فإذا كان قسم القانون اليوم بنجاحاته استطاع أن يتبوأ مكانة أكاديمية متقدمة في فلسطين، استناداً إلى معطيات ونتائج من بينها ما حققه خريجونا من تفوق لافت في امتحانات نقابة المحامين الفلسطينيين، فإننا نرى في قصص النجاح التي جسدها خريجونا في الميدان العملي وفي التخصصات كافة فاتحة لمزيد من قصص نجاح أخرى نُعِدها ونحضرها لتكون في المستقبل القريب نماذج يحتذى بها على جميع الصعد.

وبالرغم من انني أجد صعوبة في مواصلة تعداد ما تحقق في هذه المساحة المخصصة لي، في افتتاح موقعنا الألكتروني الجديد، فإنني أضع خلاصة لما ذكرت وأسلفت ولما لم أذكر تجنباً للإسهاب والأطالة، لأختم قائلاً:

مسيرة العصرية الجامعية مستمرة، والنجاحات تفتح شهيتنا للعمل ومسابقة الزمن لتحقيق مزيد من الانجازات الأخرى، في ظل بوصلة نهتدي بها في العطاء، ألا وهي فلسطين الشعب والقضية – الحاضر والمستقبل ومن يقبض على جمر قضيته ويسير متخطياً كل الصعاب، لا بد أن يصل إلى ما يريد وثقتنا بشعبنا وقضيتنا لا يضاهيها ثقة.